لماذا سميت علوم التربية وليس علم التربية
لماذا نقول علوم التربية وليس علم التربية
محتويـات
الفرق بين علم التربية وعلوم التربية
تعد علوم التربية من العلوم التي برزت حديثا ودار حولها نقاش وجدل واسع. نشأت علوم التربية في نصف القرن الأخير. لا طالما كان الجدال والتساؤل هل التربية فن ام علم ؟ كما تعلقت الأسئلة حولها من حيث التعددية، تصنيفها، العلمية، العلاقات التي بينها كعلوم تربوية وماهية الحدود التي تتبناها في معالجة وتحليل مواضيعها واطروحاتها. والسؤال المهم والمتكرر لماذا علوم التربية وليس علم التربية؟
ما الفرق بين علم التربية وعلوم التربية
علوم التربية هي مجموعة من العلوم المتداخلة والمتكاملة فيما بينها. كما انه علوم منفتحة على كل ما استجد وكل حديث في العلوم الإنسانية والعلوم الدقيقة الأخرى، لكن تختلف عنها في الموضوع والمنهج.
هل التربية فن ام علم ؟ ما الفرق بين علم التربية وعلوم التربية ؟ لماذا علوم التربية وليس علم التربية ؟ علمية علوم التربية؟
كل هذه الأسئلة وغيرها سيتم الإجابة عليها والتفصيل فيها في الموضوع أسفله.
إطلع على موضوع العلاقة بين البيداغوجيا والديداكتيك وعلوم التربية
هل التربية علم ام فن ام صناعة
اعتبرت التربية منذ الأزل موضوعا مرتبكا بكل ما هو فلسفي، موضوع تحكمه مرجعيات وحاجيات المجتمع الاجتماعية والدينية والخلقية والمرجعيات الفكرية. ثم بزغت فكرة علوم التربية كعلم قائم بذاته بعد تطور كل من العلوم الإنسانية وعلم النفس وعلم الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع وعلم الفلسفة وغيرها…
تطورت علوم التربية خلال التاريخ عبر مراحل بعد ان كان معناها منحصرا في التأثير الذي يقوم به ممارس التربية مدرسا كان أو غيره على الطفل أو المراهق. عبر منحه الرعاية النفسية والجسدية والاجتماعية والعقلية سعيا لتحقيق هدف تم تحديده سابقا ثم توظيف مفهوم البيداغوجيا باعتبارها نظرية عملية هدفها الربط بين الفعل التربوي والتأمل النظري والممارسة التربوية باعتبارها علما بحسب نظرية دوركاهايم.
وعبر تطور العلوم الإنسانية الدقيق تم تعين المفهوم المحدد للبيداغوجية واعتبارها بمثابة نسق ينبني على التوجيه والقيادة هذه المرحلة تم فيها تجاوز البيداغوجيا وتم الاتجاه لتوظيف علم النفس تحديدا ما يطلق عليه” السيكو بيداغوجيا” وتم اعتبارها بمثابة علم خاص بالتربية حسب الباحثون والمفكرين.
ما الفرق بين علم التربية وعلوم التربية
لماذا علوم التربية وليس علم التربية؟ أو ما هو الفرق بين علم التربية وعلوم التربية؟ تم طرح هذا السؤال تحديدا في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر. ويعود سبب بزوغ هذا التساؤل بعد أن أصدر الكاتب: ألكسندر بين” كتابه المعنون تحت ” التربية كعلم”. حيث كان قبل ذألك معروفا بأن علم النفس علم متميز وهو العلم الوحيد الذي يمكنه ان يطور علم التربية ليصبح علما قائما بذاته.
من جهة أخرى فالفيلسوف الفرنسي ” دوركاهايم” ذهب في أطروحاته ليعتبر بأن علم التربية ما هو إلا فرع من فروع علم الاجتماع منذ بداية القرن العشرين. وهما علمان مرتبطان ببعضهما لا يمكن الفصل بينهما. حيث أن تطور النظام التربوي كيفما كان مرتبط دائما بتطور المجتمع وحركته.
بهذه الطريقة لم يعد استثمار اساليب ونتائج على النفس على علم التربية فقط لكنه تجاوزه ليتعدى تطيقها على علم الاجتماع كذاك بعدها تم المرور لعلوم أخرى مثل البيولوجيا والتاريخ والفيزيولوجيا وغبرها…
تسبب هذا في نشوء خلاف ونقاشات حادة فيما يتعلق باستخدام علم التربية أو علوم التربية فردية او جمع. حيث أن موضوع التربية له ابعاد متعددة يجتمع ويتكمل فيها ما هو اجتماعي وما هو نفسي وفلسفي وبيولوجي تاريخي وفيزيولوجي…
وبين مؤيد ومعارض وأمام تعدد العلوم المرتبطة بالتربية تجزا العلماء لفريقين اثنين مختلفين هما:
فريق أول يقول بأن علوم التربية لا تمثل سيرورة لعلم التربية، أي انه لا توجد صلة وصل بينهما. بعد كانت غايتهم تأسيس وبناء علم التربية كعلم مستقل وقائم بدأته ومعرفة علمية وحيدة مستقلة بهويتها ووحدتها.
في حين يؤمن الفريق الثاني بصلة الوصل واستمرارية بين علوم التربية وعلم التربية أي أن مقاربة علم التربية يجب أن يؤخذ بيعن الاعتبار تعقيد الموضوع وتعدد ابعاده وتغيره باستمرار بالتالي مقاربته تشمل أكثر من علم.
تم تأسيس معهد علوم التربية بتاريخ أكتوبر من سنة 1912 بعد ان تم الإقرار بأنيه يجب تجاوز الصيغة الفردية للتربية لما تقتضيه الأبعاد المختلفة والمتعددة للتربية ووجوب احتواء الظاهرة التربوية حيث إقرار تمسية علوم التربية جمعا وليس علم التربية.
لماذا علوم التربية وليس علم التربية
لماذا سميت علوم التربية وليس علم التربية؟ او لماذا علوم التربية وليس علم التربية.
تتمحور دراسة علوم التربية بصيغة الجمع على موضوع واحد وهو التربية، أي اغتماد رؤية إبيستيمولوجية. في حين فمقارباته مختلفة نظرا لتنوع وتعدد العلوم الإنسانية والتي توظف التربية نتائجها وتستفيد منها.
الرؤية الإبستيمولجية تعطينا مفهوم مهم جدا عن علوم التربية وهو التعددية وتم طرح مفهوم التعددية من قبل الباحثين مثال كاي أفانزيني في هذا الشأن في سبعينات القرن الماضي. وقد توجه لطرح سؤال فحواه:
في حالة قمنا بتعريف وشرح علم معين من خلال منهج أو موضوع، فهل يمكن أن يفهم فيما يخص علوم التربية ان موضوعها مستنبط من علوم مختلفة عن طريق مناهج ونسق عديدة.
من خلال هذا الطرح يمكننا أن نستنج تعدد المعارف في علوم التربية، كما انها تشترك في بحث ودراسة موضوع التربية كموضوع واحد وموحد. شرط استعمال كل علم على حدي اساليبه الخاصة وادواته المنهجية هذا من جهة، ومن جهة أخرى تبيان تعدد المقاربات العملية التي تعتمد في الدراسة بسبب المصادر المختلفة من علوم إنسانية والحقول المعرفية والعلوم الدقيقي والبحثة والتخطيط… من هنا نكتشف ان التعددية والاختلاف من أهم عوامل الإثراء في علوم التربية.
للمزيد من المعلومات المفيدة في نفس الموضوع إطلع على موضوع مفهوم علم النفس التربوي
ما درجة علمية علوم التربية؟
يقال عن المعرفة أنها علمية بعد خضوعها لمجموعة من المعايير والمقاييس العلمية الصارمة على مجموعة من المستويات، الموضوع والجهاز المفاهيمي وكذا النسق والمنهج. فضلا عن أن تكون هذه المعرفة تحقق الشرعية والمصداقية كما تتصف بدقة التفسير الذي تم التوصل إليه علميا ودالك بعد استثمار النتائج وتطبيق الخطوات الخاصة بالملاحظة والتحليل والاستنتاج وطرح الفرضيات والتجربة وغيرها من المراحل.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: إن كان هذا المقياس يطبق على العلوم الدقيقة باعتبار موضوعاتها مبنية على الوقائع والافعال وليس القيم والأهداف فما درجة علمية علوم التربية؟
تم طرح هذا السؤال قديما من قبل ” دوركاهايم” عالم الاجتماع الفرنسي ودالك من خلال كتابه: البيداغوجيا وعلم الاجتماع”. وهو سؤال أو طرح إبيستيمولوجي يعتبر أن البيداغوجيا لا يمكن أن تكون علما للتربية قطعا.
في حين فسر انه يمكن بناء وتأسيس المعرفة العلمية بعد ان يكون موضوعها هو علم التربية من خلال البحث ودراسة أسباب ظاهرة تربوية معينة وتطبيق المعايير العلمية عليها.
بسبب التعددية التي تعرفها علوم التربية فقد شكك الباحثون في بداية ستينات القرن الماضي في مدى الشرعية العلمية لعلوم التربية. بالإضافة للاختلاف الموجود بين المناهج والنسق والمفاهيم وكذا الأساليب المستمدة من العلوم الإنسانية الأخرى والعلوم البحثة خاصة علم الاجتماع وعلم النفس والبيولوجيا والفلسفة والتاريخ.
من جهة أخرى كون علوم التربية تقوم بالأساس على القيم والغايات وارتباطها بمجال التربية بصفة عامة مما يطبعها من صعوبات علمية بسبب دالك.
اسباب الشك في درجة علمية علوم التربية
تعود أسباب الارتياب الحاصل في درجة علمية علوم التربية عامة على سببين أساسيين وهماك
من الصعب جدا أن نتحكم في التربية باعتبارها ممارسة عملية من منطلق علوم التربية. حيث أن التربية تعد فن أو صناعة تولدت بفعل مجموع التجارب الإنسانية المكتسبة، فضلا عن المهارات المتوارثة وغيرها. بالتالي فالتربية ليس كلمة تقنية علمية دقيقة لكنها بالعكس ممارسة غاياتها تحقيق اهداف والوصول لغايات وقيم محددة.
علوم التربية لا يمكن او يصعب مقاربتها بتفسير او خاصية علمية دقيقة كموضوع باستخدام الأدوات والطرق العلمية البحثة. لأن موضوع علوم التربية مرتبط بالقيم والغايات لكن ليست أفعال حيث يكون الموضوع الخاص بالمعرفة مستقلا عن لذات على سبيل المثال:
علم البيولوجيا مثلا يعتمد فيه للتوصل لحقيقة الكائنات الحية كموضوع على دراسة الخلية بمعزل عن الذات العارفة.
الفيزياء يمكن التوصل لقوانين الحركة بعد راسة موضوع الأجسام المتحركة
الكيمياء تقوم بعزل موضوع الذرة لكي يتم التوصل لحقيقة المادة.
علاقة علم التربية بالعلوم الاخرى
من هنا يظهر لنا الفرق والاختلاف بين التربية كحقل من العلوم الإنسانية والعلوم الدقيقة. سواء في الموضوع أو الجهاز المفاهيمي أو التحكم العملي أو الوسائل والمناهج المتبعة والاستراتيجيات المطبقة…
لا يمكن أن ننكر مساهمة كل من علم النفس وعلم البيولوجيا والأنثروبولوجيا وعلم النفس في مجال التربية. فيما يخص التطبيق لمواحل وخطوات المنهج العلمي باعتبارها كأولى العلوم التي استفادت منها علوم التربية بداية بزوغها.
تتلخص هذه الاستفادة فيما يتلاءم مع التربية كفرع من العلوم الإنسانية. لكن تبقى الصعوبة التي واجهتها ومازالت تواجهها هي استحالة عزل موضوع الإنسان بشكل كلي عن الذات العارفة.
في حين استطاعت مجالات العلوم البحثة الأخرى من عزل موضوعها عن الذات العارفة بشكل كلي. كما ان علماء التربية لم يستطيعوا التحكم في الظاهرة التربية لما لها من ابعاد متعددة ومختلفة. فالتربية بأبعادها المتعددة والمتشعبة تستلزم من الباحث الاستناد على مقاربات مختلفة ومتنوعة من اجل التحليل والتشخيص من تم تفسيرها. حيث ان موضوع علوم التربية هو الإنسان وأبعاد الإنسان مختلفة ومتعددة.
من هذا نستنتج بأن التربية باختلاف العلوم البحثة لا تصل لدرجة الدقة والصرامة والضبط عندما تطبق عليها القواعد العلمية الأربعة المتعرفة عليها. فالتربية تتميز يتنوع وتغير مناهجها العلمية باستمرار وتسعى دائما للتطور والبحث عن الموضوعية العلمية أكثر. بالتالي تكون التربية منفتحة على علوم أخرى مختلفة ومستجدة سعيا لتطوير العلاقة بين هذه العلوم وتحقيق العقلنة العلمية للمجال التربوي باستخدام مستجدات العلوم البحثة التي ترتبط بها